سورة طه - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


قوله جلّ ذكره: {إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيِه فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأخُذُهُ عَدُوٌّ لَّهُ}.
كان ذلك وحيَ إلهامٍ؛ ألقَى اللَّهُ في قلبها أن تجعله في تابوت، وتلقيه في اليمِ يعني نهر النيل، فَفَعَلَتْ، فألقاه النهر على الساحل، فَحُمِلَ إلى فرعون. فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُ امرأةِ فرعون عليه باشر حبُّه قلبَها، وكذلك وقعت محبتُه في قلبِ فرعون، ولكنها كانت أضعفَ قلباً، فسبقت بقولها: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِىّ وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ....} [القصص: 9]، ولولا أنها عَلِمَتْ أنه أخذ شعبةً من قلبِ فرعون ما أخذ من قلبها لم تقل: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِىّ وَلَكَ} [القصص: 9].
قوله: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِىّ وَعَدُوٌّ لَّهُ}: ربَّاه في حِجْرِ العدو وكان قد قَتَلَ بسببه ألوفاً من الوالدان... ولكنْ مِنْ مَأمنِهِ يُؤْتى الحَذِرُ! وبلاءُ كلِّ أحدٍ كان بَعْدَه إلا بَلاءَ موسى عليه السلام فإنه تَقَدَّمَ عليه بسنين؛ ففي اليوم الذي أخذ موسى في حِجْرِه كان قد أمر بقتل كثير من الولدان ثم إنه ربَّاه ليكونَ إهلاكُ مُلْكِهِ على يده. لِيُعْلَمَ أَنَّ أَسرارَ الأقدار لا يعلمها إلا الجبارُ.
يقال كان فرعون يُسَمَّى والدَ موسى وأباه- ولم يكن. وكان يقال لأُمِّ موسى ظئر موسى- ولم تكن؛ فَمِنْ حيثُ الدعوى بالأبوة لم يكن لها تحقيق، ومن حيث كان المعنى والحقيقة لم يكن عند ذلك خبر ولا عند الآخر من ذلك معرفة.....هكذا الحديث والقصة.
ولقد جاء في القصة أنّ موسى لمَّا وَضِعَ في حِجْر فرعون لَطَمَ وجهه فقال: إنَّ هذا من أولاد الأعداء فيجب أَنْ يُقْتَلَ، فقالت امرأتُه: إنه صبيٌّ لا تمييزَ له، ويشهد لهذا أنه لا يُمَيِّزُ بين النار وبين غيرها من الجواهر والأشياء، وأرادت أن يصدِّق زوجُها قالتَها، فاستحضرت شيئاً من النار وشيئاً من الجواهر، فأراد موسى عليه السلام أن يمدَّ يَدَه إلى الجواهر فأخذ جبريلُ عليه السلام بيده وصَرَفَها إلى إلى النار فأخَذَ جَمْرةً بيده، وقرَّبها مِنْ فيه فاحترقَ لِسانُه- ويقال إنَّ العقدةَ التي كانت على لسانه كانت من ذلك الاحتراق- فعند ذلك قالت امرأةُ فرعون: ها قد تبينَّ أن هذا لا تمييزَ له، فقد أخذ الجمرة إلى فيه. وتخلَّص موسى بهذا مما حصل منه من لَطْمِ فرعون.
ويقال إنهم شاهدوا ولم يشعروا أنه لم يحترق مِنْ أَخْذِ الجمرة وهو صبيٌ رضيع، ثم احترق لسانه، فعلم الكلُّ أن هذا الأمر ليس بالقياس. فإنه سبحانه فعَّال لما يريد.
قوله جلّ ذكره: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنّى}.
أي أحببتك. ويقال في لفظ الناس: فلانٌ ألقى محبته على فلان أي أَحَبَّه. ويقال: {ألقيت عليك محبة مني}: أي طَرَحْتُ في قلوب الناس محبةً لك، فالحقُّ إذا أحبَّ عبداً فكلُّ مَنْ شاهده أحبَّه. ويقال لملاحةٍ في عينيه؛ فكان لا يراه أحدٌ إلا أَحَبَّه.
ويقال: {ألقيت عليك محبةً مني}: أي أثْبَتُّ في قلبك محبتي؛ فإن محبةَ العبدِ لله لا تكون إلا بإثباتِ الحق- سبحانه- ذلك في قلبه، وفي معناه أنشدوا:
إنَّ المحبةَ أَمْرُها عَجَبٌ *** تُلْقَى عليكَ وما هلا سَبَبُ.
قوله جلّ ذكره: {ولِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى}.
أي بمرأىً مني، ويقال لا أُمَكِّن غيري بأَنْ يستَبْعِدَكَ عني.
ويقال أحفظك من كل غَيْرٍ، ومن كلِّ حديثٍ سوى حديثنا. ويقال ما وَكَلْنَا حِفْظَكَ إلى أحدٍ.


قوله جلّ ذكره: {إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا}.
البلاء على حَسَبِ قوة صاحبه وضعفه، فكلما كان المرء أقوى كان بلاؤه أوفى، وكلما كان أضعف كان بلاؤه أخف. وكانت أمُّ موسى ضعيفةً فَرَدَّ إليها وَلَدَها بعد أيام، وكان يعقوبُ أقوى في حاله فلم يُعِدْ إليه يوسفَ إلا بعد سنين طويلة.
قوله جلّ ذكره: {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ}.
أجرى اللَّهُ عليه ما هو في صورةِ كبيرةٍ من قَتْلِ النَّْسِ بغير حق، ثم بيَّن اللَّهُ أنه لا يضره ذلك، فليست العِبْرَةُ فعل العبد في قلَّته وكثرته إنما العِبرةُ بعناية الحقِّ بشأنِ أحدٍ أو عداوته.
ويقال قد لا يموت كثيرٌ من الخلْقِ بفنون من العذابِ، وكم من أناس لا يموتون وقد ضُرِبُو ألوفاً من السياط! وصاحبُ موسى عليه السلام ومقتولُه مات بوكزةٍ! إيش الذي أوجب وقاته لولا أنه أراد به فتنةً لموسى؟ وفي بعض الكتب أنه- سبحانه- أقام موسى كذا وكذا مقاماً، وأسمعه كلامه كل مرة بإسماع آخر، وفي كل مرة كان يقول له: {وَقَتَلْتَ نَفْساً}.
{فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ}: أريناكَ عينَ الجمع حتى زال عنك ما داخَلَكَ من الغمِّ بصفة مقتضى التفرقة، فلمَّا أريناك سِرَّ جريانِ التقديرِ نَجَّيْنَاكَ من الغم.
قوله جلّ ذكره: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}.
استخلصناكَ لنا حتى لا تكون لغيرنا. ويقال جَنَّسْنَا عليك البلاَءَ ونَوَّعْنَاه حتى جَرَّدْنَاكَ عن كل اختيارٍ وإرادة، ثم حينئذٍ رَقَّيْنَاكَ إلى ما استوجَبْتَه من العِلم الذي أَهَّلْنَاكَ له.
قوله جلّ ذكره: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ}.
وكنتَ عند الناسِ أنك أجيرٌ لشعيب، ولم يظهر لهم ما أودعنا فيك، وكان يكفي- عندهم- أن تكون خَتنَاً لشعيب.
{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى}.
أي عَدَدْنا أيالمَ كونك في مدين شعيب، وكان أهل حضرتنا من الملائكة الذين عرفوا شرَفَكَ ومحبَّتَكَ منتظرين لك؛ فجئتَ على قَدَرٍ.
ويقال إنَّ الأَجَل إذا جاء للأشياء فلا تأخيرَ فيه ولا تقديم، وأنشدوا في قريب من هذا المعنى:
بينما خاطرُ المنى بالتلاقى *** سابحٌ في فؤاده وفؤادي
جمع اللَّهُ بيننا فالتقينا *** هكذا بغتةً بلا ميعادِ


استخلصتُكَ لي حتى لا تَصْلُحَ لأحدٍ غيري، ولا يَتَأَتَّى شيءٌ منك غير تبليغ رسالتي، وما هو مرادي منك.
ويقال أفردْتُ سِرَّك لي، وجعلْتُ إقبالَكَ عليَّ دون غيري، وحُلْتُ بينك وبين كل أحدٍ ممن هو دوني.
ويقال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفسِى}: قَطَعَهُ بهذا عن كلِّ أحدٍ، ثم قال له: {اذهب إلى فوعون}.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12